بقلم حكيمة نجار أستاذة بثانوية محمد الخامس التأهيلية القنيطرة والكاتبة العامة لمركز الحكمة للدراسات الدينية وحوار الثقافات
لطالما درست تاريخ وجغرافيا أمريكا لسنوات عديدة حتى ظننت أني أعرف كل شئ عنها: تاريخها، تضاريسها، مناخها، اقتصادها … لكن زيارتي لها جعلتني أكتشف المجتمع الأمريكي ودور الدين في المجتمع الأمريكي وكذلك الإنسان الأمريكي
كلما زرت معلمة تاريخية أو مرفقا رياضيا أو مركزا ثقافيا، باختصار كلما حللت و ارتحلت بين شوارع أمريكا إلا ووجدت نفسي أمام عبارات كلها حكم وعبر، جعلتني أتساءل عن ماهية المجتمع الأمريكي في ظل حضارة تجعلك تقف مع نفسك لتتساءل مرة أخرى، هل هذا نابع من قوة الحضارة؟ أم من حضارة القوة؟ من بين العبرات التي استوقفتني وأثارت حفيظتي حكمة لمارْك توَين، مكتوبة بخط أسود جميل، على سبورة بيضاء ناصع لونها تسرّ الناظرين، وذلك خلال زيارتي للجامعة الوحيدة للصم بالعالم التي تأسست عام 1864 ألا وهي جامعة غالوديت بواشنطن، يقول فيها
Kindness is the language which the deaf can hear and the blind can see.
اللطف هو اللغة التي يمكن أن يسمعها الأصم ويراها الأعمى
أذكر أنه عندما أخبرنا ببرنامج يوم الخميس 21 يوليوز 2016 الذي يتضمن زيارة لجامعة الصم تبادرت إلى ذهني عدة أسئلة، لعل بعضها قفزت أيضا إلى أذهانكم لمجرد سماعكم عن وجود جامعة للصم ، من بين هذه الأسئلة
أولا، كيف لأصمّ أن يتخطى المستوى الثانوي بله أن يكمل مساره الجامعي؟
ثانيا، هل المجتمع مستعد لأن يتعامل مع هؤلاء المختلفين عنه؟
ثالثا، هل هذا الأصم بتكوينه الجامعي له القدرة على الاندماج بسوق الشغل بأمريكا؟
ظلت هذه الأسئلة وأسئلة اخرى تراودني بين الفينة والاخرى طيلة سيرنا في الطريق إلى الجامعة، وعند وصولنا استقبلنا شاب تعلو محياه البشاشة والابتسامة منحني شعورا أنه لا يختلف عنا في شيء، واثق من نفسه، أدركت حينها أن حكمة مارك توين مجسدة في هذا الشاب، الذي عرّفنا بالجامعة ومرافقها
أيقنت أن لغة اللطف أعمق من أي كلام، و أن نقصانها قد يؤدي بالبعض إلى حب الذات ونكران وكراهية الآخر، قلت حينها ما أحوجنا نحن الناطقين إلى هذه اللغة للتواصل ومد جسور التعارف ونبذ العنف والتطرف، وهو هدف نصبو إلى تحقيقه
وقبل زيارتي لأمريكا ومن خلال عملي رفقة تلاميذي على مشاريع لنبذ العنف والتطرف ومن بينها مبادرة
Let’s Know Each Other More
الرامية إلى تعميق التعارف مع الآخر المختلف عنا عرقا أو لونا أو دينا فإنني كنت أعتقد أن الطريق الى ذلك هو طريق الحوار والاكتشاف رغم الاختلاف، لكن زيارة جامعة الصم علمتني أن لغة اللطف هي أيضا جسرا للمحبة إلى جانب الحوار والاكتشاف، فوضعت على عاتقي تعليم هذه اللغة لأجيالنا في المستقبل، وذلك من خلال القيام بمبادرات تحسيسية وتوعوية داخل الثانويات يشارك فيها الجميع، لتحقيق هذا المبتغى
وكتجربة أولى مع تلاميذي حتى أتقاسم معهم تجربة الرحلة، طلبت منهم التأمل في حكمة مارك توين. أجمع جلهم على أهمية لغة اللطف وراهنيتها وضرورة الالتفات إلى هذه الفئة بمجتمعنا. وهذه إحدى ردود فعل التلاميذ حول العبارة
Yes, that’s for sure … People can make communication very easy if they take kindness as a language … That makes them so close. And that’s what our prophet peace be upon him and our Qur’an advise us to do: treat people with a kind way ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك
أجل بالتأكيد … يمكن للأفراد ان يجعلوا تواصلهم في غاية السلاسة و السهولة إذا قاموا باعتماد اللطف كلغة قائمة هي الاخرى … فهذا يجعلهم قريبين ليس قرب المسافات بل قرب القلوب والأرواح … وهذا تماما ما علمنا اياه نبينا صلى الله عليه وسلم وأمرنا به … قال تعالى ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك
لقد استفدت من الحوارات واللقاءات داخل الجامعة أنه باللطف والدعم والاهتمام بهذه الفئة، استطاع الأصم تخطي العقبات واستكمال الدراسة بالمعاهد والجامعات، بل والاندماج في سوق الشغل
لقد كانت تجربة راقية أن ترى الألم يشع منه نور الأمل ليضيء الأفق الممتد، بل ينبت ورودا بألوان زاهية هي وليدة لحظات الفرح والسرور، فالكل هناك تجمعه لغة واحدة هي لغة اللطف، فكما استطاعت أمريكا ضمان حرية التدين واحترام التنوع والاختلاف الديني والعرقي فإنها أيضا استطاعت أن تجمع بين الأصم الأمريكي والمغربي والأوروبي والأسيوي … دونما تمييز