بقلم (Paul L. Heck)
ليس المسلم غريباً في الوطن الأمريكي، فيشهد تأريخ البلد على وجود مسلمين قاطنين فيه منذ قرون. ما هي علاقة الإسلام بأمريكا وطناً وثقافة؟
الإنجليزية هل هي لغة من لغات الإسلام؟ نعم، بالنسبة الى المسلم الأمريكي. العربية هل هي لغة من لغات المسيحية؟ نعم، بالنسبة الى المسيحي العربي. هل تُعتبر أمريكا جزءاً لا يتجزاً من الهوية الإسلامية؟ نعم، بالنسبة الى المسلم الأمريكي. وهل تُعتبر العروبة جزءاً لا يتجزأ من الهوية المسيحية؟ نعم، بالنسبة الى المسيحي العربي. هل يجوز للمسلم الولاء للوطن الأمريكي بكونه مواطناً أمريكياً؟ المسلمون الأمريكان هم متنوعون عرقاً ومذهباً فماذا يوحّدهم؟ هل يتصور المسلم الأمريكي أنه يعيش في دار الإسلام؟ نعم، من المسلمين الأمريكان من يقول إن أمريكا تمثّل دار الإسلام بفضل قيم المجتمع وقلة الفساد وحكم القانون ومبادئ المساواة وما الى ذلك. ما هي العلاقة بين الدين والتراب الوطني في عصر العولمة؟ مسلمو أمريكا هل هم أجانب سيعودون الى بلاد الأصل يوماً ما؟ مهاجرون هربوا الى أمريكا بحثاً عن الراحة على منوال السلف الصالح؟ أو مواطنون يحبّون الوطن مثل غيرهم؟ الإسلام في أمريكا والإسلام الأمريكي: ما هو بالضبط؟
الأمريكي المسلم والأمريكي غير المسلم ألا يشاركان ثقافة واحدة؟ مواطنة واحدة؟ رؤية وطنية واحدة؟ ديانة مدنية واحدة؟ (ما يُفهم من الديانة المدنية الأمريكية؟) ينتمي الأمريكان المسلمون الى مذاهب مختلفة ولكن الشعور بالوحدة الدينية يغلب على المذهبية والطائفية في بعض الأحيان. على سبيل المثال، في بعض الأحيان، يصلي أهل السنة وأهل الشيعة صلاة واحدة كتفاً بكتف. يمثل الأمريكان المسلمون أكثر من عرق. هناك سود وصل أجدادهم الى شواطئ العالم الجديد في قيود الرق. هناك من هاجر أهله الى أمريكا في العقود الآخيرة من أسيا وأفريقيا وغيرهما فاستقرّوا وتجنسوا. وهناك من دخل في الإسلام من جذور عرقية مختلفة. هكذا يفوق الخيال تنوعُ الإسلام الأمريكي. كذلك يعود تأريخ الإسلام في أمريكا الى ما قبل إستقلال الوطن عن التاج البريطاني. هل يُعقل القول إن الإسلام دين غير أمريكي؟
ما هي العلاقة بين قيم الإسلام وقيم المجتمع الأمريكي؟ هل يرى المسلم الأمريكي في دستور الوطن دستوره؟ هناك من المسلمين من يشارك غير المسلمين في انتقاد سياسة من سياسات الدولة إما الداخلية وإما الخارجية، فالمواطن له حق التعبير بغض النظر عن دينه. ماذا يميّز بين المواطن الأمريكي المسلم والمواطن الأمريكي غير المسلم؟ قد يؤيد مسلم وغير مسلم من مواطني أمريكا قضية واحدة. وقد يعارض مسلم وغير مسلم قضية واحدة. حق الزواج المثلي؟ حق الإجهاض؟ التفاوت المتزايد بين الطبقات في المجتمع؟ لا توجد قضية من قضايا الوطن الاجتماعية والسياسية والاقتصادية إلا يناضل عنها مسلم أمريكي، وذلك عن طرفي القضية!
على سبيل المثال هناك مسلمون محافظون يتّحدون مع غير مسلمين على حرية الفرد في المجال الاقتصادي والتجاري بشأن أسواق حرة من دون قيود وما الى ذلك. ومن ثم يذهبون أبعد ليقبلوا حرية الفرد في كل المجالات باعتبارها أساس الإنسانية فلا قيود لها في نظرهم. ويقبلون حرية الفرد في حق الزواج وحق الإجهاض كما يقبلونها في حق البيع والشراء بلا قيود. ولكن المحافظين ليسوا سواء. منهم من يقبل حرية الفرد في المجال الاقتصادي والتجاري ولا يقبلها في جميع المجالات. هل يقاس كل شيء على مقياس واحد؟ ماذا يقول المسلم الأمريكي؟ ماذا يقول الأمريكي غير المسلم؟ لا توجد قضية من القضايا إلا يؤيدها ويعارضها مسلم وغير مسلم من مواطني أمريكا، فيتحد المحافظ المسلم والمحافظ غير المسلم على قضية من القضايا كما يتحد الليبرالي المسلم والليبرالي غير المسلم على قضية من القضايا. في أمريكا لا سلطة دينية للدولة. نعم، الدولة الأمريكية لا سلطة دينية لها حسب نص الدستور. ما من أثر لذلك على معنى الدين في المجتمع؟
أما الأحداث الإرهابية اليوم باسم الدين فتترك أثراً عميقاً على الأمريكان المسلمين فيجدون أنفسهم أمام شبهات واتهامات. وهناك من يسارع الى الإعلان عن حبه للوطن ليثبت أنه مواطن فدينه الشخصي شيء وعنف الإرهاب باسم الدين شيء آخر فلا يشكّل تهديداً للوطن الذي يقطن فيه. وهناك من يلتجئ الى قيم الدستور بما فيها حقوق الفرد المدنية ليدافع عن نفسه أمام الخوف من دينه، وذلك لأن الدستور في الأصل أعمى من حيث الدين فلا يجوز التمييز الديني في مثل هذا الوطن. وكذلك هناك من يتبرأ من الوطن، رداً على خوف الوطن من دينه، ليعيش في الوطن معزولاً عن الكفار في ما يشبه دور هجرة.
التطرف باسم الدين — ما يلفت النظر هو أنه أسفر عن عواقب عكس ما قصد اليه المتطرفون الذين سعوا — ولا يزالون — الى فصل المسلم الأمريكي عن وطنه طالبين في ذلك إدخاله في صفوف الكراهية والانتقام. حصل العكس. بسبب التطرف باسم الدين فإن المسلم الأمريكي وقع تحت المجهر، الأمر الذي دفعه الى الدفاع عن نفسه أمام الشبهات والاتهامات. ولذلك الهدف التجأ الى ما له من حقوق مدنية. وكذلك دخل في حوار الأديان دخولاً لا نظير له في تأريخ الوطن، وذلك حتى يستطيع أن يشرح معنى الإسلام للمجتمع الأمريكي العام. هكذا فإن المسلم الأمريكي اندمج في المجتمع الأمريكي دفاعاً عن نفسه وشرحاً لدينه، وذلك هو عكس ما قصد اليه أصحاب التطرف والهجومات الإرهابية. مما لا شك فيه هو أن المسلم الأمريكي أثبت أنه يشارك اليهودي الأمريكي والمسيحي الأمريكي في أصل واحد هو سيدنا إبراهيم عليه السلام. ويطرح السؤال: من هو المسلم الأمريكي؟ هو جار وزميل وصديق حبيب.
كذلك هو الآخر مشبوه فيه غريب في نظر من يروّج للخوف من الإسلام. وكيف ينظر غير المسلم الى المسلم الأمريكي؟ أما وجود المسلم في إقتصاد الوطن فلا تخلو حرفة من مسلم أمريكي فهو مهندس وطبيب ومحامٍ وجندي وشرطي وأستاذ ومدير الى آخره. وكذلك يوجد مسلمون في سجون الوطن بجانب سجناء غير مسلمين.
يقول المسلم الأمريكي: أنا مواطن. أنا قريب ليس بغريب. أشارك في الأصل الإبراهيمي. أنا إنسان. وأفرح بأمريكيتي. فلنمضي قدماً كلنا سوا في أمان الله.
يدور النقاش حول العلاقة بين الإسلام والهوية الأمريكية. التطرف باسم الدين هل ينتج عن الدين؟ من ناحية هناك من المسلمين الأمريكان من لا يشعر بالوطنية كما هناك من المسيحيين واليهود الأمريكان من لا يشعر بالوطنية. ومن نحاية أخرى هناك من المسلمين الأمريكان من يقول إن المسلمين الأمريكان ينتقدون حالات الظلم من قبل الحكومة ويتجاهلون حالات الظلم على غير المسلمين من قبل بعض المسلمين. ما هي نظرة غير المسلم الى المواطن المسلم؟ وما هي نظرة المسلم المواطن الى غير المسلم؟ هل هو مشرك؟ كافر؟ أو أخ في الوطن؟ أو أخ في الله؟
في بعض المناسبات يقف رجال الأديان كتفاً بكتف ويدعون الله معاً. أليس الله إله الجميع؟ يلوح هذا الأمر في الأفق للمسلم الأمريكي.